نقص عالمي للرمال ينذر بإعادة تشكيل إقتصادات الدول .. 45% زيادة الطلب خلال 4 عقود
للوهلة الأولى، يبدو الحديث عن نقص الرمال في العالم أمرا غريبا لا يتصوره العقل، فالرمال تمتد على مساحات شاسعة من كوكبنا لدرجة تبدو معها كأنها لا تنضب. لكن الحقيقة الصادمة هي أن الرمال، ثاني أكثر الموارد الطبيعية إستخداما بعد الماء، تواجه نقصا خطيرا يهدد الصناعات الحيوية والنظم البيئية على حد سواء. ومع تسارع وتيرة النمو العمراني والصناعي وإرتفاع الطلب على الرمال في البناء وصناعة الزجاج والإلكترونيات، أصبح العالم يواجه "أزمة رمال" قد تعيد تشكيل إقتصادات الدول وتثير تساؤلات حول الإستدامة وإستخدام الموارد. ويصبح السؤال ما الذي أدى إلى هذه الأزمة؟ الدكتور مارك كيندال، أستاذ الموارد الطبيعية، يعتبر الرمال أحد أحجار الزاوية في التنمية الحديثة. ويقول أن الإستهلاك العالمي من "الركام" - المصطلح الصناعي للرمال والحصى التي غالبا ما توجد معا - بلغ العام الماضي 50 مليار طن، وهو رقم أكثر من كافي لتغطية المملكة المتحدة بأكملها، ويتجاوز معدل التجديد الطبيعي. ومن المتوقع أن يرتفع الطلب على الرمال بنسبة 45% خلال العقود الأربعة المقبلة. وقال كيندال أن "التوسع الحضري هو المحرك الرئيسي لهذا الطلب. فالنمو السريع للمدن الكبرى، خاصة في آسيا وأفريقيا، وطفرة البناء زادت الطلب على الرمال بشدة. الصين، بمفردها، إستهلكت بين عامي 2011 و2013 كميات من الرمال تفوق ما إستهلكته الولايات المتحدة طوال القرن الـ20 بأكمله. وفي الهند، تضاعفت كمية رمال البناء المستخدمة سنويا بأكثر من ثلاثة أضعاف منذ عام 2000". وأضاف: "كما أن توسع السياحة الساحلية ومشاريع إستصلاح الأراضي والبنية التحتية للطاقة المتجددة فاقمت الضغط على الرمال كمورد". ومع هذا يظل السؤال قائما كيف تكون هناك مشكلة رغم وجود كل هذه الرمال من حولنا؟ من جانبها، ذكرت المهندسة ليزا ميليبند أن "المشكلة تكمن في نوع الرمال اللازمة للبناء. فرمال الصحراء، بفعل الرياح، تتآكل وتصبح ناعمة للغاية ومستديرة، مما يجعلها غير قابلة للارتباط معا لتشكيل الخرسانة المستقرة، أما الرمال التي نحتاج إليها فهي تلك التي تتميز بحبيبات ذات زوايا حادة، وهي الموجودة في قيعان الأنهار، وضفافها، والبحيرات، وعلى شواطئ البحار". وأضافت "لهذا السبب قد يبدو غريبا للبعض أن تقوم دول عربية بإستيراد الرمال من أستراليا على الرغم من وفرتها في البلاد العربية". ولهذا ليس مستغربا أن تشهد بعض البلدان سوقا سوداء للرمال، ووصلت المنافسة إلى حد إنخراط عصابات إجرامية في تجارتها، بإستخراج كميات هائلة وبيعها في السوق السوداء، خاصة مع تزايد الطلب على بعض أنواع الرمال. ورمال السيليكا عالية النقاء، المستخدمة في صناعة الزجاج والمنتجات عالية التقنية مثل الألواح الشمسية ورقائق الكمبيوتر، وكذلك الرمال المستخدمة في التكسير الهيدروليكي لإستخراج النفط، تتطلب حبيبات رملية متينة للغاية. وأدى إستخراجها بكثافة إلى تدمير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والغابات في بعض الولايات الأمريكية التي تحتوي على كميات كبيرة من هذه الرمال الثمينة. ويعتقد عدد من الخبراء، من بينهم جون سميث، الإستشاري في المعهد الدولي للابتكارات، أن العجز العالمي في الرمال ليس مجرد مصدر قلق بيئي، بل يشمل أيضا تحديا إقتصاديا متعدد الأوجه. وقال سميث: "أنه بدون جهود منسقة لإدارة الموارد على نحو مستدام والإستثمار في البدائل المبتكرة، ستواجه الصناعات والإقتصادات حول العالم تكاليف متصاعدة وتدهورا بيئيا، فمعالجة هذه الأزمة تتطلب تعاونا عاجلا بين الحكومات والصناعات والمدافعين عن البيئة لضمان مستقبل مستدام لهذا المورد الحيوي".